المدرسة السلوكية: نشأتها، روادها، نظرياتها، إيجابياتها وسلبياتها.
تُعد النظرية السلوكية من أبرز نظريات التعلم التي شكلت الأساس لكثير من الممارسات التعليمية في القرن العشرين. تركز هذه النظرية على دراسة السلوك البشري من خلال التأثيرات البيئية والتعلم الناتج عن الاستجابات لمثيرات محددة. في هذا المقال، سنتناول تاريخ ونشأة المدرسة السلوكية، أبرز روادها، نظرياتها الرئيسية، بالإضافة إلى إيجابياتها وسلبياتها وكيفية تحقيق التعلم من خلالها.
تاريخ ونشأة المدرسة السلوكية:
بدأت المدرسة السلوكية تتبلور في أواخر القرن التاسع عشر، حيث كانت رد فعل ضد النظريات النفسية التي ركزت على العمليات العقلية الداخلية مثل التفكير والوعي.
الأب المؤسس:
جون ب. واتسون (John B. Watson): يُعتبر واتسون مؤسس المدرسة السلوكية الحديثة. في عام 1913، نشر مقالًا شهيرًا بعنوان "علم النفس كما يراه السلوكي" حيث دعا إلى دراسة السلوك البشري بشكل موضوعي، بعيدًا عن التأملات النفسية الداخلية. اعتبر واتسون أن السلوك هو استجابة للمحفزات البيئية، ويمكن دراسته وملاحظته بشكل موضوعي.
تطورت المدرسة السلوكية بشكل أكبر في أوائل القرن العشرين، مع ظهور أعمال باحثين آخرين مثل إيفان بافلوف وسكينر، الذين ساهموا في توسعة وتعميق مفاهيم السلوكية.
رواد المدرسة السلوكية:
جون ب. واتسون (John B. Watson): كما ذُكر سابقًا، فهو مؤسس المدرسة السلوكية. دعا إلى دراسة السلوك من خلال الاستجابات للمثيرات البيئية.
إيفان بافلوف (Ivan Pavlov): عُرف بتجاربه على التكييف الكلاسيكي (التكييف الشرطي). قدّم مفهوم "الاستجابة الشرطية" التي تتضمن التفاعل بين المحفزات البيئية والاستجابات السلوكية.
ب. ف. سكينر (B. F. Skinner): قدم مفهوم التكييف الإجرائي (التكييف الإيجابي والسلبي). قام بتطوير أساليب مثل "الصندوق السكنري" لدراسة كيفية تأثير التعزيز والعقاب على السلوك.
ألبرت بندورا (Albert Bandura): رغم أن نظرياته تمثل تطورًا إلى ما بعد السلوكية، فقد قدم مفهوم "التعلم بالملاحظة" الذي يجمع بين الجوانب السلوكية والمعرفية، مما ساعد على تحسين فهمنا لعملية التعلم الاجتماعي.
نظريات المدرسة السلوكية
التكييف الكلاسيكي (التكييف الشرطي):
المؤسس: إيفان بافلوف.
المفهوم: يتضمن تعلم استجابة معينة لمحفز محدد بعد تكرار الربط بين المحفز غير الشرطي والمحايد. مثال على ذلك هو رد فعل الكلب عند سماع جرس الطعام.
التكييف الإجرائي:
المؤسس: ب. ف. سكينر.
المفهوم: يشمل التعلم من خلال النتائج الناتجة عن السلوك. يتم تعزيز السلوكيات المرغوبة من خلال المكافآت وتقليل السلوكيات غير المرغوب فيها من خلال العقوبات.
نظرية التعلم الاجتماعي:
المؤسس: ألبرت بندورا.
المفهوم: يُركز على كيفية تعلم الأفراد من خلال ملاحظة وتقليد سلوك الآخرين، وليس فقط من خلال التجربة المباشرة.
الإيجابيات والسلبيات
الإيجابيات:
- بساطة التطبيق: توفر السلوكية أسسًا واضحة وقابلة للتطبيق في تصميم البرامج التعليمية وإدارة الفصول الدراسية.
- فاعلية التقييم: يمكن قياس التقدم وتقييم فعالية التدريس من خلال الملاحظات السلوكية المباشرة.
- تعديل السلوك: يمكن استخدام استراتيجيات التعزيز والعقاب لتعديل السلوكيات غير المرغوب فيها وتعزيز السلوكيات الإيجابية.
السلبيات:
- إغفال العمليات العقلية: تركز السلوكية فقط على السلوك الظاهر، مما يتجاهل العمليات العقلية الداخلية مثل التفكير والإدراك.
- نقص التركيز على الدوافع الداخلية: لا تأخذ في اعتبارها الدوافع الداخلية والاهتمامات الشخصية التي تؤثر على التعلم.
- التحيز للسلوك القابل للقياس: يمكن أن يؤدي التركيز الشديد على السلوكيات القابلة للقياس إلى تجاهل جوانب أخرى من تجربة التعلم التي لا يمكن قياسها بسهولة.
كيف يتحقق التعلم عند هذه المدرسة
1. التكرار والممارسة:
- التكييف الكلاسيكي: يتم من خلال تكرار الربط بين المحفزات غير الشرطية والمحايدة حتى تصبح الاستجابة الشرطية مُثبتة.
- التكييف الإجرائي: يتم تعزيز السلوك من خلال المكافآت والتكرار، مما يعزز تعلم السلوكيات الجديدة.
2. التعزيز والعقاب:
- التعزيز: يشمل تقديم المكافآت لزيادة احتمال تكرار سلوك معين.
- العقاب: يشمل تقديم العواقب لتقليل تكرار سلوك غير مرغوب فيه.
3. الملاحظة والتقليد:
- التعلم الاجتماعي: يتعلم الأفراد من خلال مراقبة سلوك الآخرين وتقليده، معتمدين على نموذج السلوك الملاحظ.
4. التحفيز البيئي:
تؤثر المحفزات البيئية بشكل كبير على سلوك الأفراد، وتلعب دورًا في تشكيل الاستجابات والتعلم.
خاتمة
تشكل المدرسة السلوكية جزءًا هامًا من تاريخ علم النفس والتربية، حيث قدمت إطارًا واضحًا ومباشرًا لفهم وتطبيق استراتيجيات التعلم. من خلال دراسة السلوك والتفاعل مع المحفزات البيئية، توفر السلوكية أدوات فعالة لتعديل السلوك وتعزيز التعلم. ومع ذلك، فإن محدودية التركيز على العمليات العقلية والدوافع الداخلية تشير إلى الحاجة للتكامل مع نظريات أخرى للحصول على فهم شامل لتجربة التعلم.
0 تعليقات